In Arabic: Fools for Christ: Embracing God’s Madness for Spiritual Clarity. الجّهال من أجل المسيح: احتضان الجنون الإلهي من أجل الوضوح الروحي.
اليوم، بينما نحتفل بعيد القديس سمعان المتباله من أجل المسيح، نتأمل في التقليد الغامض و العميق لـ “الجّهال من أجل المسيح” داخل الكنيسة الأرثوذكسية. هؤلاء القديسون غير العاديين، الذين كثيراً ما يُساء فهمهم و يُستهزأ بهم أحيانًا، تبنوا طريقاً فريداً و جذرياً نحو الحكمة و القداسة الإلهية.
من هم المتبالهين من أجل المسيح؟
“الجّهال من أجل المسيح”، المعروفين أيضاً باسم “يوروديفي” باللغة الروسية، هم أفراد قرروا أن يتقنعوا الجنون أو غرابة الأطوار لتقديم الحقائق الروحية و انتقاد الأعراف المجتمعية والدينية في عصرهم. و كانت حماقتهم الظاهرة عبارة عن قناع يخفي بصيرة روحية عميقة و التزاماً عميقاً بعيش الإنجيل في أكثر أشكاله تطرفاً.
و من بين المتبالهين من أجل المسيح الأكثر شهرة القديس سمعان من حمص، الذي يُحتفل به اليوم، و القديس باسيليوس المغبوط من موسكو، و القديسة كسينيا من بطرسبورغ. هؤلاء القديسون، على الرغم من أنهم بدوا غير عقلانيين أو حتى مجانين في نظر معاصريهم، إلا أنهم كانوا يوقّرون بسبب تقواهم الشديدة، و نسكهم، و في كثير من الأحيان قدراتهم المعجزية.
القديس سمعان المتباله من أجل المسيح
يعد القديس سمعان الحمصي، الذي عاش في القرن السادس، أحد أقدم و أشهر الأمثلة على هذا التقليد. الراهب الذي عاش في البداية حياة النسك الشديد في الصحراء، شَعرَ سمعان لاحقاً بأنه مدعو إلى طريق غير تقليدي. و عندما عاد إلى مدينة حمص، اتخذ شكل الرجل المجنون، وقام بسلوكٍ غريب و استفزازي لإخفاء مواهبه الروحية و تجنب مدح الناس.
إن جنون القديس سمعان الظاهري سمح له أن يتحدى الرياء و الجشع و قلة الرحمة التي كان يراها من حوله. كان معروفاً عنه قيامه بأعمالٍ خيريةٍ مدهشةٍ و عطفٍ في الخفاء، وكشف عن طبيعته الحقيقية فقط لأولئك الذين لديهم عيون ترى. و من خلال أفعاله، قاد الكثيرين إلى التوبة وفهم الإيمان المسيحي بشكل أعمق.
مهمة الجّهال من أجل المسيح
كانت مهمة المتبالهين من أجل المسيح متعددة الأوجه:
– التواضع و الاختباء: من خلال تبني شخصية الحماقة، تجنب هؤلاء القديسون إغراءات الكبرياء و الاعتراف العالمي. سمحت لهم حياتهم الخفية بتنمية التواضع و حفاظ التركيز على أهدافهم الروحية.
– النقد النبوي: غالباً ما كانت أفعالهم بمثابة نقد حي للإخفاقات الأخلاقية و الروحية لمجتمعهم. لقد كشفوا بجنونهم الظاهري النفاق و الجشع و الفساد، و دعوا الناس إلى التوبة الحقيقية و الإيمان. و هذا (ليس التنبؤ بالمستقبل بالضرورة) هو عمل نبي.
– الحكمة الهدّامة: جَسّد الحمقى من أجل المسيح حكمة إلهية قلبت التوقعات الدنيوية. إن سلوكهم، على رغم أنه يبدو غير عقلاني، فهو يشير إلى حقائق روحية أعمق و الطبيعة المتطرفة للإنجيل.
– الحب المتطرف: غالباً ما تخفي أفعالهم التي تبدو غير منطقية أعمال الحب العميق و الإحسان. من خلال العيش على هامش المجتمع، تعاطفوا مع الفقراء و المهمشين، مما يدل على محبة المسيح الشاملة والتي تكسر الحدود.
إرث الجّهال للمسيح
إن إرث الجّهال من أجل المسيح يظل بمثابة شهادة قوية على القوة التحويلية للجنون الإلهي. في عالم يقدر غالباً العقلانية و الراحة و المرتبة الاجتماعية، تذكرنا حياتهم بالطبيعة المضادة للحضارة و المتطرفة للإيمان المسيحي. إنهم يدعوننا إلى النظر إلى ما هو أبعد من المظاهر و البحث عن الحقائق الروحية الأعمق التي تكمن تحت سطح حياتنا اليومية.
بينما نكرم اليوم القديس سمعان المتباله من أجل المسيح، دعونا نتذكر الدروس العميقة التي يقدمها لنا هو و غيره من المتبالهين من أجل المسيح. نرجو أن يلهمنا مثالهم لإحتضان التواضع، و تحدي الظلم، و عيش إيماننا بمحبة جذرية و معطاءة.
في جنونهم الظاهري، يكشف الجّهال من أجل المسيح عن حكمة الله المطلقة – الحكمة التي تربك الحكماء وتدعونا إلى علاقة أعمق وأكثر أصالة مع الإله.