November 17, 2024

True Orthodox Diocese of Western Europe

Russian True Orthodox Church (RTOC)

الكنيسة المجمعية و الهرطقة الكبريانية THE CONCILIAR CHURCH AND THE CYPRIANITE HERESY by Vladimir Moss in Arabic

Cyprianism

بقلم د. فلاديمير موس

أن تعرف الحقيقة، و أن تتحد مع الآخرين في معرفة الحقيقة – فليس هناك فرح أعظم من هذا. و كما يقول داود: “هوذا ما أحسن و ما أجمل أن يسكن الإخوة معاً” (مزمور ١:١٣٢). “أورشليم المبنية كمدينةٍ ملتئمةٍ ذات اتحاد” (مزمور ٣:١٢١).
كيف نصل إلى الحقيقة؟ و هنا، و بشكل مأساوي، يكمن السبب الأول للانقسام والغربة عن الحقيقة. لأن الغالبية العظمى ممن يُسمون بالبشرية المتحضرة تعتقد أن الجواب هو: في المنطق، في العلم. تعتقد أقلية فقط أنه إلى جانب المنطق أو العلم، هناك طريق آخر إلى الحقيقة: الكشف الإلهي. علاوة على ذلك، يعتقد الجزء المسيحي من تلك الأقلية أن الكشف الإلهي وحده الذي يوفر المعرفة على وجه اليقين، و معرفة الأشياء المهمة حقاً في الحياة، و المعرفة التي يمكن أن توحد الناس حقاً بدلاً من تقسيمهم.
العلم الحديث موجود الآن منذ عدة مئات من السنين. لقد وعد بالكثير: ليس فقط بالحقيقة، بل بالسعادة، لا أقل. وليس هناك ما يشير إلى أنه يفي بوعوده. مثل شجرة معرفة الخير والشر، تبدو جيدة من الخارج، لكن مذاقها مرير، بل و مميت أيضاً. لقد تعلم العلماء قدراً هائلاً عن عدد كبير من الأشياء غير المهمة. لقد أدرك أعظم العلماء بكل تواضع أن هناك أشياء كثيرة، بما في ذلك جميع الأشياء الأكثر أهمية التي لم يعرفوها. آمن السيد إسحاق نيوتن بالكشف الإلهي و كذلك بالعلم، و بعد وفاته اكتُشف من بين أوراقه في كامبريدج أنه كتب تعليقات موسعة على العديد من كتب العهدين القديم و الجديد. على وجه الخصوص، أراد أن يعرف متى ستكون نهاية العالم، وباستخدام دانيال وسفر الرؤيا بدلاً من العلم، توصل إلى التاريخ: ٢٠٦٠. ليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأنه كان على حق، و لكنه على الأقل اعترف بوجود ينبوع آخر للحقيقة إلى جانب عقل الإنسان: ألا و هو عقل الله.
ألبرت أينشتاين لم يكن مسيحياً. لكنه آمن بجمال الكون، وبالتالي كان هناك خالق لهذا الجمال: الله. و لذلك أعلن: «إن الله لا يلعب بالنرد»، لأنه لا الجمال و لا الحقيقة يمكن أن يأتيا من مجرد الصدفة. لسوء الحظ، فإن الغالبية العظمى من علماء الفيزياء المعاصرين لا يتفقون معه، لكنهم يؤمنون بالافتراض الخيالي حقاً بأن كل شيء جاء من لا شيء، أو بالأحرى، من حفنة صغيرة من الغبار شديد الحرارة ظهرت من العدم، بالصدفة، كلياً عن طريق الصدفة. حقاً ما قاله داود عن هؤلاء الرجال: “قال الجاهل في قلبه: ليس إله”.
الحقيقة الكاملة عن كل شيء مُهم جاءت للإنسان من خلال الكشف الإلهي. أولاً، كشف الله لموسى و الأنبياء حقيقة خلق العالم و الإنسان و المبادئ الأساسية للحياة الفردية و الاجتماعية. ثم كشف الله الحقيقة عن كيفية الخلاص و الدخول إلى الحياة الأبدية من خلال ابنه، الرب يسوع المسيح. و أخيراً، كشف الله حقيقة نهاية العالم و الدينونة الأخيرة من خلال المسيح و رسله القديسين. لم يتوقف الله عن الكشف عن المزيد من الحقائق حول الأشياء الكبيرة و الصغيرة عبر العصور؛ و لكن كل الحقائق الأساسية العظيمة متضمنة في كلمة الله، الكتب المقدسة في العهدين القديم و الجديد.
لسوء الحظ، عقل الإنسان فضولي و متكبر و ساقط. و هكذا منذ البدء “لأنه قد تسلل إلينا أُناسٌ قد كُتبوا قديماً لهذا القضاء، أُناسٌ منافقون يحولون نعمة إلهنا إلى الفجور و ينكرون سيدنا الوحيد و ربنا يسوع المسيح” (يهوذا ٣). لقد جادلوا و حرفوا حقائق الكشف الإلهي حتى و هم يتظاهرون بالإيمان بها؛ “و إذ يحجبون الحق بالظُلم” (رومية ١٨:١)، ابتعدوا عن الحق و أخرجوا كل من آمن بهم من الكنيسة إلى هاوية الهرطقة.
و لكن الله لديه علاج لذلك: ينبوع الحق الذي هو الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية.

الكنيسة، كونها جسد المسيح نفسه و ممتلئة بالروح القدس، “روح الحق”، تُدعى “عمود الحق و أساسه” (١تيموثاوس ١٥:٣). هي، و هي وحدها من بين جميع مؤسسات العالم المخلوقة، أُعطيت نعمة معرفة الحق و تمييز كل الانحرافات عن الحق. إن أعضاء كشف الحقيقة في الكنيسة و فضح الباطل هي مجامع أساقفتها البارزين، و خاصة المجامع المسكونية السبعة (٣٢٥ – ٧٨٧)، و لكن أيضاً العديد من المجامع الأرثوذكسية و المحلية المهمة التي انعقدت في آخر ١٢٣٣ عاماً. لقد أدرك آباء المجمع الأول الذي انعقد في أورشليم بعد قيامة المسيح ببضع سنوات، أن ينابيع الحق التي أعلنوها هي: الروح القدس، و عقولهم المستنيرة العاملة بانسجام. “فقد حسُّنَ لدى الروح القدس و لدينا” (أعمال ١٥-٢٨).

فإذا أردنا أن نعرف الحقيقة عن أي مسألة روحية مهمة، علينا أن نتوجه إلى ينابيع المياه الحية المعطية للحياة، أي مجالس الآباء القديسين.

هذه الحقيقة مهمة جداً لدرجة أن العديد من خدمات الكنيسة تبدأ و تنتهي بالكلمات: “بصلوات الآباء القديسين…” الكنيسة هي كنيسة الآباء القديسين الملتئمين في المجمع، حتى أنها تُعرِّف نفسها بأنها مجمعية، و هي قريبة جداً من معنى كاثوليكية_جامعة (الترجمة الملهمة للكلمة اليونانية “كاثوليكية” في قانون الإيمان إلى اللغة السلافية للقديسين كيرلس و ميثوديوس هي “سوبورنايا”، أي “Conciliar” باللغة الإنجليزية). و لكن في السنوات الأخيرة، تم شن هجوم على مجمعية الكنيسة في سياق القرار المجمعي الأكثر أهمية في الآونة الأخيرة ألا و هو الحرم ضد المسكونية، الذي أطلقه المجلس المحلي للكنيسة الروسية في الخارج عام ١٩٨٣، الذي أعلن أن جميع الكنائس المسكونية التي اعترفت بالنظرية المهرطقة لأغصان الكنيسة، بأنهم خارج الكنيسة.

في العام التالي، أصدر أحد رؤساء الكهنة اليونانيين المنشق عن تسلسله القانوني، كبريانوس متروبوليت فيلي و أوروبوس، أطروحاته الكنسية، التي جادلت بأن الهراطقة الذين لم تتم إدانتهم على وجه التحديد من قبل المجمع المسكوني أو الأرثوذكسي العام، يبقون “غير مدانين”. حتى يدينهم المجمع.

وكان هدفه غير المعلن هو الحرم التي وضعته الكنيسة الروسية في العام السابق؛ أراد أن يقول إن الهراطقة المسكونيين الذين حرمهم المجلس المحلي عام ١٩٨٣ كانوا في الواقع “غير مدانين” و بالتالي حاملين نعمة، و إن كانوا أعضاء “مرضى” في الكنيسة الحقيقية.

و يظهر زيف الموقف الكبرياني من خلال قصة أشهر الهراطقة و هو آريوس.أولاً، طرده القديس الشهيد بطرس، رئيس أساقفة الإسكندرية، من الشركة في أبرشيته. وكان هذا قراراً محلياً، لكن لم يطعن أحد في صحته_ إذ لم تكن الكبريانية معروفة في تلك الأيام. ثم، بعد بضع سنوات، عندما كان القديس بطرس في السجن، تظاهر آريوس بالتوبة، وجاء العديد من الكهنة، بما في ذلك الأساقفة المستقبليون أخيل والإسكندر، إلى القديس بطرس ليطلبوا منه قبوله في الشركة. إلا أن القديس بطرس رفض قائلاً: “أنا أرفض قبول آريوس، لأنه طُرد من الكنيسة المقدسة من قبل الله و تم حرمه ليس وفقاً لحكمي بقدر ما يتوافق مع حكم الله…” ثم إلى أخيل والإسكندر لوحدهما قال : “أدعوه ملعوناً، ليس بحكمي الشخصي، بل بحكم المسيح إلهي، الذي ظهر لي الليلة الماضية. وبينما كنت أصلي، حسب عادتي، أشرق فجأة نور ساطع في زنزانتي، فرأيت الرب يسوع المسيح في صورة شاب يبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة. وكان وجهه أكثر إشعاعًا من الشمس، حتى أنني لم أستطع أن أتحمل النظر إلى مجد وجهه الذي لا يوصف. و كان لابساً ثوباً أبيض ممزقاً من فوق إلى أسفل، وقد ضمه إلى صدره بكلتا يديه ليستر عريه. عندما رأيت ذلك، وقع عليّ الرعب، و سألته: “من هذا، أيها المخلص، الذي مزق ثوبك؟” أجاب الرب: “آريوس الغبي مزقه بتقسيم الشعب الذي افتديته بدمي  احذروا من أن تقبلوه في شركة مع الكنيسة.‘‘الآن كنيسة الله، ثوب المسيح، هي دائماً واحدة، ولا يمكن أن تنقسم داخل ذاتها. و مع ذلك، يقال إن آريوس قد قسمها بهرطقته، و هو ما يعني أنه، دون تمزيق الكنيسة نفسها، قام فقط بتمزيق الناس عن الكنيسة من خلال هرطقته. و هذا بدوره يعني أن الهرطقة تفصل الهراطقة عن الكنيسة، ليس من خلال أي عمل من أعمال رؤساء الكنيسة، و لكن من خلال دينونة المسيح نفسه قبل تصرفات أي رؤساء أرضيين، سواء في المجامع المحلية أو المسكونية. إن رؤساء الكنيسة الأرضية يميزون و يطيعون و يثبتون دينونة الكنيسة السماوية و رأسها الرب يسوع المسيح. لأنه وحده “يُميت و يُحيي، و يُحدر إلى مثوى الأموات و يُحضِر منه” ( صموئيل الأول ٦:٢) ، و هو وحده “عندي مفاتيح الموت و مثوى الأموات” (رؤيا ١٨:١) – جنباً إلى جنب مع هؤلاء الرؤساء المؤمنين الذين أعطاهم سلطاناً أن يربطوا و يحلوا من الهاوية والموت بسبب تمييز أحكامه. في هذا السياق يمكننا أن نفهم كلمات الرب لنيقوديموس: “الَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ” (يوحنا ١٨:٣). مرة أخرى، يقول الرسول بولس: “الإنسان الهرطوقي… يُدين نفسه” (تيطس٣ :١١- ١٠). لذلك لا يمكن أن يكون هناك “هراطقة لم تتم إدانتهم بعد”، كما يدعي الكبريانيين : جميع الهراطقة يُدانون على الفور، و يبشرون بالهرطقة علناً، و هم “أساقفة كذبة” حتى “قبل الإدانة المجمعية”، كما أكد ذلك صراحةً في القانون الخامس عشر للمجمع الأول و الثاني لعام ٨٦١.
كانت ردة الفعل على تعاليم كبريانوس الكاذبة بشأن مجمعية الكنيسة سريعاً: في عام ١٩٨٦، قام مجلس أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية الحقيقية في اليونان برئاسة رئيس أساقفة أثينا خريسوستوموس (كيوسيس)  بعزله عن منصبه بسبب الانشقاق و الهرطقة. أكدت الكنيسة الروسية في الخارج بقيادة المتروبوليت فيتالي لاحقاً قرار اليونانيين ضد الكبريانية في عام ٢٠٠١، كما فعلت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية الحقيقية (كنيسة السراديب) تحت قيادة تيخون رئيس أساقفة أومسك و سيبيريا.
لذلك تم حرم المسكونيين بشكل صحيح من خلال قرارات العديد من المجالس المحلية. إنهم خارج الكنيسة، محرومون من نعمة الأسرار. ليس هناك حاجة إلى قرار آخر من المجلس الأرثوذكسي العام أو المسكوني “للمصادقة” على هذه القرارات، وتعليم كبريانوس بأن مثل هذا التحقق مطلوب من أجل طرد المسكونيين حقاً من الكنيسة هو تعليم خاطئ. في الواقع، كل الهراطقة، فوراً الذين يبدأون في نشر هرطقتهم علناً، هم بالفعل “محكومون على ذواتهم” لتجديفهم على “اللاهوت السامي”،  و يقعون تحت اللعنات الأزلية للمجمع البدئي للثالوث الأقدس، الآب، الابن والروح القدس.
و بما أن كنيسة المسيح مجمعية بطبيعتها، فإن أساقفتها المجتمعين في المجامع، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، محلية أو مسكونية، لهم كامل الصلاحية في طرد الهراطقة من الكنيسة بشرط أن تكون قراراتهم متوافقة مع قرارات جميع المجامع السابقة في تلك السلسلة الذهبية من القداسة و الحق التي تشكل تاريخ الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية. و هكذا، كما يعلن قنداق عيد اليوم: إن كرازة الرسل و تعاليم الآباء أكدت إيمان الكنيسة الواحد. وإذ تلبس ثوب الحق المنسوج من اللاهوت العلوي، فإنها تقسم و تمجد سر التقوى العظيم .
٣١/١٨ أيار ٢٠٢٠. أحد الآباء القديسين. القديسة الجيفا، ملكة إنجلترا.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *


Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.